يوم البعث
عندما ذكر الله عز وجل يوم البعث في القرآن أشار إليه { يوم يدع الداع إلى شيء نكر..} [القمر: 6]. لا يمكن أن يعرف الإنسان الرعب الحقيقي لذلك اليوم لأنه لم يواجه شيئا يشبهه قبلا .
الله فقط من يعلم زمن هذا اليوم. وما يعرفه الناس عن هذا اليوم مرتبط بالصور القرآنية. يأتي يوم القيامة فجأة في زمن لا يتوقعه أحد من الناس .
في هذا اليوم تقبض ارواح الناس، ربما، في بيوتهم، في مكاتب عملهم، أثناء نومهم، وهم يتكلمون بالهاتف، يقرؤون كتابا، يضحكون، يبكون أو يصطحبون أطفالهم من المدرسة ، على أن هذا القبض سيكون مرعبا جدا، شديدا لم ير أحد ما يشبهه في كل العالم طوال حياته .
يبدأ يوم القيامة بنفخ الصور (المدثر 8-10). عند سماع هذا الصوت في كل أرجاء العالم، تقبض ارواح أولئك الذين لم يستغلوا وقتهم - الذي وهبهم الله في التقرب إليه - بخوف عظيم. يصف الله الأحداث الهائلة التي تحدث في ذلك اليوم :
{بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} [القمر: 46].
وتتفتت الجبال إلى ذرات وتصبح هباء منبثا (الواقعة 5). في هذه اللحظة يدرك الناس مدى تفاهة ما تعلقوا به في هذه الدنيا، وتتلاشى كل القيم المادية التي عاشوا عليها:
{فإذا جاءت الطامة الكبرى* يوم يتذكر الإنسان ما سعى*وبرزت الجحيم لمن يرى} [النازعات: 34 ـ 36].
في هذا اليوم تختفي كل الجبال بما فيها من صخر ورمال فتصبح كالصوف المنفوش ) الواقعة 5). يدرك الإنسان حينها أن هذه القوة ليست قوة الطبيعة. ويسود خوف عظيم كل أحداث ذلك اليوم. يصعق كل حيوان وإنسان وكل حي . وتنفجر البحار (الانفطار 3)، وتشتعل فيها النار "سجرت" (التكوير 6 (.
وتبدأ السماء بالاهتزاز كالأرض تماما وتأخذ بالزوال بطريقة لم يشهدها أحد، ويتحول لون السماء الأزرق الذي اعتاد الناس عليه إلى لون النحاس الذائب (سورة المعارج (. ويظلم كل ما كان في السماء مضيئا: وتكوَّر الشمس (التكوير 1)، ويُخسف القمر (القمر1). ويجمع الشمس والقمر (القيامة 9 (.
وتسقط النساء الحاملات حملهن ، وتشيب الولدان (المزمل17). ويهرب الأطفال من أمهاتهم ، والنساء من أزواجهن. وتتفرق العائلات عن بعضها. ويعرض القرآن سبب كل هذه الأمور :
{فإذا جاءت الصاخة. يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} [عبس: 33 ـ 34].
يوم الحساب
بعد أن تأخذ الأحداث مجراها في يوم البعث ينفخ في الصور ثانية. وعلى هذا الصوت يُنشَر الناس من جديد. وتمتلئ الأرض يومئذ بالناس الذين خرجوا من قبورهم التي أمضوا فيها مئات وربما آلاف السنين. ويعرض لنا القرآن البعث في هذا اليوم المزدحم:
{ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون. قالوا يا ولينا مَن بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون. إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميعا لدينا محضرون. فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون} [يس: 51 ـ54].
ويظهر كل ما أشاح عنه أولئك الناس، ولم يرغبوا في فهمه، وهربوا منه واضحاُ و ماثلا أمامهم. لن يتمكنوا من الهروب أو الإنكار بعد الآن .
في اللحظة التي يخرج بها هؤلاء الناس وعلامات الخزي على وجوههم، مقنعي رؤوسهم من قبورهم تشرق الأرض بنور ربها ويؤتى كل إنسان صحيفته .
في هذا اليوم الذي تجتمع فيه البشرية بأعدادها التي لا يعلمها إلا الله، يختلف موقف المؤمن عن موقف الكافر. يروي لنا القرآن هذه الحقيقة:
{وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه. ما أغنى عني مالية. هلك عني سلطانيه} [الحاقة: 25 ـ 29].
في هذا اليوم لا يُجحف الإنسان ذرة من حقه. كل إنسان يجازى بما عمل في الأرض. ويصعب يوم الحساب على الكافرين، إنه يوم أصبح خلودهم في جهنم أمراً أكيداً.
الآيات الآتية تكشف بوضوح ما ينتظر الكافرين والذين اتبعوا دعاة العبث في الحياة الدنيا من جزاء يوم الحساب .
{ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يُظلمون. ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون. وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فُتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين. قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين